سندرلا ..::مستشارة إدارية::..
عدد المساهمات : 284
| موضوع: صدام الحضارات.. «مخالب» تنهش الثقافات 11/11/10, 03:44 pm | |
| صدام الحضارات.. «مخالب» تنهش الثقافات
رجب الكشباطي
في الواقع، هذه شذرات من كتاب المفكر السّياسيّ المعاصر صامويل هنتنغتون الذي ألّفه سنة 1996 تحت عنوان "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" تناول فيه موضوعات هامّة جدّا تعلّقت بالعلاقات بين الثقافات والحضارات ومستقبل الغرب والحضارة الكونية، وكانت النيّة من هذا الكتاب ليس عملا في العلوم الإجتماعية بل تفسيرا لتطور السياسة العالمية بعد الحرب الباردة.
والملفت للإنتباه أنّ هذا المفكّر فتح بوّابة جديدة للتفكير تنبني على فرضية أنّ الصّراع الحالي هو صراع حضاري بالأساس. فلئن كان القرن التّاسع عشر قرن صراع القوميات والقرن العشرين قرن صراع الإيديولوجيات، فإنّ القرن الحالي هو زمن صراع الحضارات، زمن جمّلت فيه عديد النظم وجوهها بأقنعة لإخفاء التجاوزات التي أقدمت عليها الحضارة الأمريكية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
إنّ مثل هذا، يدفعنا الى طرح أسئلة صارخة: ما الغاية من ذلك؟ ماذا عن هذا الزمن الذي قدّت عقاربه كل أشكال الهيمنة الاقتصادية والثّقافية والسّياسية؟ أليس هذا الزمن ذاته هو زمن العولمة والاحتواء الثقافي؟ ألا يجدر بنا هنا "إزاحة الحجاب عن الكتمان" لواستعرنا التعبير الفرويدي؟ أليست مصلحة الغرب هي التي تتحكم في واقعنا اليوم وتسيّر دواليب عالمنا؟
إنّ راهننا لن تعبّر عنه حقّا بأفضل من هذه العبارة للدكتورمحمد عابد الجابري "الغرب يساوي المصالح". وهذا عينه ما يلحظه المتفحّص لكتاب "صدام الحضارات" من خلال منطلقاته وآلياته. فهنتغتون في هذا الكتاب ينطلق من جملة من المسلّمات يمكن تلخيصها في الآتي: الواضح إذن أنّ الهدف هو المصلحة.. وليس أدلّ على ذلك من أنّ الصراع الإيديولوجي لم يختف لأنّ حاجة الفرد إلى تبريرات ثقافية لتدعيم مطالبته بإشباع مصالحه تختلف من مجتمع إلى آخر. إنّ النظرة المتفحّصة لواقعنا تكشف أنّ هذا الظلم الذي يقع على العالم ويرتكب ضد الإنسان لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفته، فالغرب يمثّل حوالي 800 مليون نسمة وباقي العالم 4.7 مليار نسمة، وليس ثمّة ما يستدعي هيمنة الأقلية على الأغلبية.
إنّ أطروحة صدام الحضارات تتحّدث إذن عن تكريس الهيمنة الغربية وتدعو للدفاع عن مصالح الحضارة الغربية، حضارة الرجل الأبيض وعلى رأسها النفط والأسواق. وكان أي تقدّم تحقّقه الحضارات الأخرى يعدّ على حساب المصالح الغربية. إنّ هذا الصّراع الحالي الذي يسميه هنتنغتون بكونه حضاري يبدو صراعا لا ثقافيا، صراع مصالح يرتدي رداء الثقافة ويعكس مركزيّة الحضارة الغربية.
ولكن ألا يحملنا مثل هذا التصوّر إلى وضعه تحت محّك النّقد حتى نقف على المثالب والمغالطات التي يحملها خطاب "صدام الحضارات" ونحصّن أنفسنا من تلك "المخالب" التي تنهش باقي الحضارات؟
إنّ التأمل في كتاب "صدام الحضارات" يحمل المرء على الدهشة. فهو يحتوي على مثالب ومغالطات جمّة كشفت للعيان أنّ أطروحة هنتنغتون أطروحة متحيّزة للغرب، مدافعة عن مصالحه ترى أنّ أيّ تقدّم أو تغيّر أو تجديد يهدّد المصلحة الغربية. وإليكم الآن بعض المثالب والمغالطات:
1. تقسيم هنتنغتون للحضارات المعاصرة مثير للتساؤل. فإذا كانت الحضارة تتحّدد بعناصر موضوعية أساسية مثل الديانة واللغة والمؤسسات ... وذاتيا بالتطابق والتماثل. فلماذا التمييز بين الحضارة الغربية و حضارة أمريكا اللاتينية؟ أليست أمريكا اللاتينية مثل أمريكا الشمالية ديانة وعادات ولغة؟ لماذا في كل مرّة يصّنف هنتنغتون الحضارات وفق معيار؟ أليس في هذا إخلالا بشروط المنهج العلمي في التصنيف؟
2. يقول هنتنغتون: "ولع المسلمين بالعنف والقتال من حقائق القرن العشرين ولا يستطيع المسلمون ولا غيره نفيه".. ويعَنْون فصلا كاملا: "حدود الإسلام حدود دموية".
ولكن إذا كان يتحدّث عن حدود الإسلام الدمويّة، فماذا عن الحضارة الغربية بما هي حضارة المجازر والمذابح المليونية؟ فـ 167 مليون نسمة لقوا مصرعهم في مذابح القرن العشرين ومعظمهم مسؤوليّة الحضارة الغربية. وهذه بعض الحجج الدامغة: - الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، الحروب المكسيكية، الحرب بين بوليفيا والاوروجواي ، الحرب الأهلية الإسبانية، الغزو الإيطالي لأثيوبيا، الحرب الأهلية الكورية....
- هتلر وحده قتل 17 مليون نسمة ولينين أباد 8.6 مليون نسمة وفي عهد ستالين قتل ما لا يقلّ عن 20 مليون نسمة.... 3. السؤال الذي لم يطرحه هنتنغتون: لماذا تقدم الغرب وتخلّف الآخرون؟ ومن المسؤول عن هذا التخلّف؟
وما لم يذكره هنتنغتون هو أنّ الغرب مسؤول مسؤولية كاملة عن تخلّف البلدان غير الغربية وأن الإستعمار له دوره السلبي على هذه البلدان التي لا تزال تعاني منه.
على الجملة، يمكن القول إنّ كتاب "صدام الحضارات" يعكس إذن بوضوح مركزية الحضارة الغربية أي يعكس الإنحياز الواضح ثقافيّا وقيميّا لهذه الحضارة ومصالحها الإستراتيجية السياسية والإقتصادية والعسكرية والثقافية. إنّها طريقة إنتقائية فسّرها على نحو تتلائم فيه مع نتائج مسبقة مما جعل تحليلاته في بعض المواضع تتناقض وأفكاره تتكرر | |
|